الاثنين، 28 يونيو 2010

في تحقيق - أستاذ اجتماع: أسرنا تعاني من الاستقلالية الشكلية مخاوف من تحول المنازل إلى فنادق

تحقيق - محمد الشيخ
هل فشلت الأسرة في حماية السياج الاجتماعي لأفرادها كما ينبغي أن يكون وفق الشرع الإسلامي، وهل الترابط الأسري يعني التواجد في مكان واحد أو التجمع حول مائدة الطعام أم أن الترابط الأسري هو أيضاً ترابط نفسي ومشاعر إنسانية قوية، وكيف اختلفت المفاهيم عند البعض لتصبح الأسرة مجرد شعار للتواجد في المكان دون أن تكون هناك نقاط التقاء حقيقية فتتحول المنازل إلى مجرد فنادق تضم أفراداً لا يربطهم ببعض سوى الاسم!! وما هي أسباب تحول الحياة العائلية إلى الانقسام والتفكك لتصبح نظام غرف في المنزل الواحد! «العرب» تحاول الإجابة على هذا السؤال.
في البداية يقول محمد أسعد وهو طالب جامعي إن الأسرة العربية شهدت الكثير من التطورات بفعل التأثيرات الخارجية والتطور، وعن نفسه فإنه يجد أن الحرية الشخصية التي تمنحها له أسرته لا تتناقض إطلاقاً مع الترابط الأسري الذي يلحظه كل من يزور العائلة فهناك اجتماعات يومية أثناء ساعات الوجبات وكذلك في حالة الأمور الهامة التي تتطلب ذلك كما أن رب الأسرة هو صاحب الكلمة الفصل في الشؤون المختلفة لأفراد الأسرة.
أما خولة مرتضوي فتقول تعليقاً على موضوع الاستقلالية داخل الأسرة وحدودها وفوائدها إنه في عصرنا الحالي تندثر تلك الحياة الأسرية الحميمة ذات الروابط الشديدة القائمة على بيت عامر بكل سكانه يتشاركون في أقل الحالات كل ما يهم أو يسعد.. الآن وبسبب عوامل كثيرة أصبح البيت محطة راحة من عدد كبير من الانشغالات اليومية التي يرهق بها إنسان اليوم نفسه، لكن في الواقع لا يمكن الفكاك من بعض الضروريات التي يجب على الإنسان أن يؤديها حتى يكفل لنفسه مكاناً جيداً في حياة اليوم. الآن أصبح الفرد يذوب مع المجتمع الإلكتروني والإعلامي الذي يحيط به نفسه، فتجد أشخاصاً يعشقون المسلسلات التلفزيونية، فتصبح الشخصيات والأحداث هي محور حياته، وكذلك الأمر مع مدمن الإنترنت وقد يتطور الأمر لديه بتكوين علاقات افتراضية مع مجهولين في أطراف الشبكة الإلكترونية وهكذا شيئاً فشيئاً يصبح الفرد غريباً عن بيته وهو مقيم فيه.
أما ناصر محمد علي فيشير إلى موضوع الانتقال من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية وتأثيره على الانعزال النفسي عن الأسرة بحكم ظروف المحاضرات ومواعيدها المختلفة ويقول: «إن جدول طالب التعليم العام يمر بظروف منظمة في الذهاب للمدرسة والرجوع والتواجد في وقت محدد، بينما عندما ينتقل الطالب أو الطالبة إلى التعليم العالي (الجامعي) فتتدخل ظروف تلك المحاضرات في التواجد بالمنزل وقت وجبات الطعام حيث إن الكثير من الطلاب يتناولون الساندويتشات في مطعم الجامعة وقت الفطور والغداء ثم ينصرفون متأخرين ومتعبين ويستسلمون للنوم ثم بعد ذلك الاستذكار وكتابة المحاضرات فتلغى وجبة العشاء فلا يلتقون ببقية أفراد الأسرة إلا مصادفة بسبب الاستذكار وهذا يساعد على تعميق مفهوم الاستقلالية ويكون قضاؤهم أغلب الوقت في الغرف الخاصة بهم وما يترتب على ذلك من ضوابط وأمور نفسية خاصة وحل انفرادي للمشاكل دون إشراك الوالدين أو بقية الإخوة.
ويقول الطالب أحمد حمود إن بعض الطلبة والطالبات يلتحقون بالسكن الجامعي فيضطرون إلى الانتقال من نفس المدينة التي يعيشون فيها بهدف البحث عن التخصص المطلوب وهذا يبعدهم نفسياً عن الانتماء إلى الأسرة، وفي حالة التمادي في عدم الاجتماع بالأسرة في إجازة نهاية الأسبوع أو الإجازات الكبيرة بهدف دراسة فصل صيفي وكل هذه الأمور لا تكون مقررة من بداية الأمر وإنما هي أمور فرضتها طبيعة النظام الدراسي الجديد لبعض الأبناء ولكن ليس معنى هذا ترك الحبل على الغارب بل يجب على الوالدين أن يحرصوا على تواجدهم نهاية كل أسبوع للتقرب منهم أكثر ومعرفة همومهم ومشاكلهم والمساعدة على حلها للتخفيف من التباعد المكاني بالتقارب النفسي.
ولمعرفة رأي الاختصاصيين في الظاهرة التقت «العرب» بالدكتور العياشي عنصر أستاذ علم الاجتماع بجامعة قطر الذي أكد أن الاستقلالية لها وجهان: أحدهما إيجابي والآخر قد يكون سلبياً أو غير ذي قيمة، فاستقلالية الرأي والحرية الشخصية في اتخاذ القرارات المصيرية والإستراتيجية كالزواج وبناء الأسرة ونوع الوظيفة هي أمور مستحبة ويجب أن يتم دعم الأبناء وتشجيعهم عليها ولكن هذا النوع من الاستقلالية قليل وغير موجود إلا في النادر ببلادنا العربية لأن العلاقات لا تزال تقوم على السيطرة الأبوية وفرض كبار السن رأيهم حتى في الأمور الشخصية للأفراد بما فيها موضوع الزواج وبناء الأسرة! ويشير الدكتور العياشي إلى حصول تطور شكلي في وظائف الأسرة العربية الخليجية بفعل الوفرة الاقتصادية وامتلاك أفراد العائلة سياراتهم الخاصة وغرفهم الشخصية وأجهزتهم التي تكفل لهم تلك الحرية الشخصية في استخدامها، ولكن هذه الاستقلالية لا تزال في كثير من مظاهرها مجرد استقلالية محدودة الأثر لأنها لا تتعلق بالقضايا المصيرية التي لا تزال من اختصاص الكبار كما أنها تقابل بتضييق شديد على الفتاة التي لا تحصل على استقلالية مماثلة لتلك التي يحصل عليها الشاب.
ويأخذ الدكتور العياشي على هذا النوع من الاستقلالية أنه شكلي وسلبي حيث لا توجد استقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية في حين يترك الحبل على الغارب للشباب لممارسة حريتهم الشخصية في حياتهم اليومية وهو أمر يؤثر بشكل سلبي على علاقاتهم الأسرية وتواصلهم مع الأسرة كما أن الوالد الذي لا يتابع تصرفات أبنائه ويمنحهم حرية مطلقة دون مساءلة يفرط في مستقبلهم وتواصلهم الأسري.

http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=56807&issueNo=273&secId=16

ليست هناك تعليقات: